فصل: السنة الأولى من ولاية يزيد بن حاتم المهلبي على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية يزيد بن حاتم المهلبي على مصر

وهي سنة خمس وأربعين ومائة‏.‏

فيها قتل الخليفة أبو جعفر المنصور محمدًا وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب واحدًا بعد واحد فقتل محمد بالمدينة وبعده بمدة قتل إبراهيم وكان إبراهيم خرج أيضًا بعد خروج أخيه محمد على المنصور بالبصرة وانضم عليه خلائق من العلماء والفقهاء وأعيان بني الحسن فلما ورد عليه الخبر بقتل أخيه محمد عظم شأنه وكاد أمره أن يتم ووقع بينه وبين جيش المنصور أمور ووقائع إلى أن قبض عليه وقتل‏.‏

قال الهيثم‏:‏ حبسهم أبو جعفر المنصور في سرداب يعني عبد الله المذكور وأقاربه من بني الحسن - وقد قدمنا ذكر من حبس مع عبد الله من أقاربه بأسمائهم في سنة أربع وأربعين ومائة - قال‏:‏ حبسهم في سرداب تحت الأرض لا يعرفون ليلًا ولا نهارًا - والسرداب عند قنطرة الكوفة وهو موضع يزار - ولم يكن عندهم بئر للماء ولا سقاية فكانوا يبولون ويتغوطون في مواضعهم وإذا مات منهم ميت لم يدفن بل يبلى وهم ينظرون إليه فاشتد عليهم رائحة البول والغائط فكان الورم يبدو في أقدامهم ثم يترقى إلى قلوبهم فيموتون‏.‏

ويقال‏:‏ إن أبا جعفر المنصور ردم عليهم السرداب فماتوا وكان يسمع أنينهم أيامًا‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي محمد بن عبد الله ابن حسن وأخوه إبراهيم قتلًا والأجلح الكندي وإسماعيل بن أبي خالد وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر وأنيس بن أبي يحيى الأسلمي وحبيب بن الشهيد وحجاج بن أرطاة والحسن بن ثوبان والحسن بن الحسن بن الحسن في سجن المنصور ورؤبة بن العجاج التميمي وعبد الرحمن بن حرملة الأسلمي وعبد الملك بن أبي سليمان الكوفي وعمر بن عبد الله مولى غفرة بالمعجمة والفاء وعمرو بن ميمون بن مهران الجزري ومحمد بن عبد الله الديباج ومحمد بن عمرو بن علقمة وهشام بن عروة في قول ويحيى بن الحارث الذماري ونصر بن حاجب الخراساني أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة ست وأربعين ومائة‏.‏

فيها كان فراغ بناء بغداد وتحول إليها الخليفة أبو جعفر المنصور في صفر وكان خالد بن برمك أشار على المنصور ببنائها وقيل‏:‏ إن حجاج بن أرطاة هو الذي اختط جامعها وقبلتها منحرفة ولما دخلها الخليفة أبو جعفر المنصور أمر أن يكتب إلى الآفاق أن يرد عليه الخطباء والعلماء والشعراء وكان لا يدخل أحد المدينة راكبًا فشكا إلى المنصور عمه عيسى بن علي أن المشي يشق عليه فلم يأذن له في الركوب ثم بعد مدة أمر المنصور بإخراج الأسواق من المدينة خوفًا من مبيت صاحب خبر بها فبنيت الكرخ وباب المحول وغير ذلك‏.‏

وظهر شح المنصور في بناء بغداد وبالغ في المحاسبة حتى قال خالد بن الصلت وكان على بناء ربع بغداد‏:‏ رفعت إليه الحساب فبقيت علي خمسة عشر درهمًا فحبسني حتى أديتها‏.‏

وعندما دخل المنصور بغداد وقع بها الطاعون‏.‏

وقد تقدم أن الطاعون غير الوباء فالوباء هو وفيها توفي ضيغم بن مالك العابد‏.‏

كان من الخائفين البكائين وهو من الطبقة الخامسة من أهل البصرة وكان ورده في كل يوم أربعمائة ركعة‏.‏

وفيها توفي عمرو بن قيس الملائي من الطبقة الرابعة من أهل الكوفة كان من الأبدال وكان يقول‏:‏ حديث أرقق به قلبي وأبلغ به إلى ربي أحب إلي من خمسين قضية من قضايا شريح‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر قال‏:‏ وتوفي أشعث بن عبد الملك الحمراني والحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ذباب المدني وحبيب بن الشهيد بخلف وسنان بن يزيد التميمي أبو حكيم الرهاوي وعبد الله بن سعيد بن أبي هند المدني وعوف بن أبي جميلة الأعرابي و محمد بن السائب الكلبي ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي و هشام ابن عروة بن الزبير على الصحيح ويزيد بن أبي عبيد ويحيى بن أبي أنيسة الجزري‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة سبع وأربعين ومائة‏.‏

فيها حج الخليفة أبو جعفر المنصور وعزم على قبض جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - أعني جعفرًا الصادق - فلم يتم له ذلك‏.‏

وفيها آنتثرت الكواكب من أول الليل إلى الصباح فخاف الناس عاقبة ذلك‏.‏

وفيها خلع الخليفة أبو جعفر المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى من ولاية العهد و ولاها لابنه محمد المهدي وجعل عيسى المذكور بعد المهدي وكان السفاح قد عهد إلى أبي جعفر المنصور بالخلافة ثم من بعده إلى عيسى بن موسى هذا‏.‏

وفيها أغارت الترك مع استرخان الخوارزمي على مدينة تفليس وكان بها حرب بن عبد الله الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد فخرج إليهم حرب المذكور وقاتلهم فقتلوه وقتلوا خلقًا كثيرًا من المسلمين وسبوا‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي عم الخليفة أبي جعفر المنصور وأمه بربرية يقال لها هنادة ولد سنة ثلاث ومائة وقيل‏:‏ آثنتين ومائة في آخر ذي الحجة‏.‏

وهو الذي هزم مروان الحمار بالزاب وتبعه إلى دمشق وفتحها وهدم سورها وجعل جامعها سبعين يومًا لدوابه وجماله وقتل من أعيان بني أمية ثمانين رجلًا بنهر أبي فطرس من أرض الرملة ثم ولي دمشق للسفاح فلما ولي المنصور خرج عليه عبد الله ودعا لنفسه فهزمه أبو مسلم الخراساني فشفع له إخوته وأخذوا له أمانا من الخليفة أبي جعفر المنصور فلما قدم عليه حبسه مدة حتى مات في حبسه قيل‏:‏ إن أبا جعفر المنصور بنى له دارًا حبسه فيها وجعل في أساسها ملحًا فلما سكنها عبد الله وحبس فيها أطلق عليها ماء فذاب الملح فوقعت الدار عليه فمات‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وآثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزياده أربعة عشر ذراعًا وتسعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة ثمان وأربعين ومائة‏.‏

فيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور‏.‏

وفيها توجه حميد بن قحطبة إلى ثغر أرمينية فلم يلق بأسًا وتوطأت الممالك لأبي جعفر وثبتت قدمه في الخلافة وعظمت هيبته في النفوس ودانت له الأمصار ولم يبق خارجًا عنه سوى جزيرة الأندلس من بلاد المغرب فقط فإنها تغلب عليها عبد الرحمن بن معاوية المرواني الأموي المعروف بالداخل لكونه دخل المغرب لما هرب من بني العباس وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب لكنه لم يتلقب بأمير المؤمنين بل بالأمير فقط وكذلك بنوه من بعده ويأتى ذكرهم في محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الإمام السيد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني يقال‏:‏ مولده سنة ثمانين من الهجرة وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة وكان يلقب بالصابر والفاضل والطاهر وأشهر ألقابه الصادق وهو سبط القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فإن أمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد المذكور وأمها أم أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولهذا كان جعفر يقول‏:‏ أنا ابن الصديق مرتين وهو يروي عن جده لأمه القاسم بن محمد ولم يرو عن جده لأبيه علي زين العابدين وقد أدركه وهو مراهق وروى عن أبيه وعروة بن الزبير وعطاء ونافع والزهري وحدث عنه أبو حنيفة وابن جريج وشعبة و السفيانان ومالك وغيرهم‏.‏

وعن أبي حنيفة قال‏:‏ ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد‏.‏

وروي عن علي بن الجعد عن زهير بن محمد قال‏:‏ قال أبي لجعفر بن محمد - يعني الصادق -‏:‏ إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر بن أبي قحافة وعمر فقال جعفر‏:‏ برىء الله من جارك والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر‏.‏

وذكر الذهبي بإسناد عن محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة قال‏:‏ سألت أبا جعفر محمد بن علي وابنه جعفرًا عن أبي بكر وعمر فقالا‏:‏ يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى رضي الله عنهما‏.‏

وقال لي جعفر‏:‏ يا سالم أيسب الرجل جده‏!‏ أبو بكر جدي فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما‏.‏

قال الذهبي‏:‏ هذا إسناد صحيح وسالم وابن فضيل شيعيان‏.‏

قلت والفضل ما شهدت به الأعداء‏.‏

وأي عذر أبقى جعفر الصادق بعد ذلك للرافضة‏!‏ أخزاهم الله تعالى‏.‏

وفيها توفي سليمان بن مهران الإمام أبو محمد الأسدي الكاهلي المحدث المعروف بالأعمش من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة ولد بقرية أمه من عمل طبرستان في سنة إحدى وستين‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وقد رأى أنس بن مالك وهو يصلي ولم يثبت أنه سمع منه مع أن أنسًا لما توفي كان للأعمش نيف وثلاثون سنة وكان يمكنه السماع من جماعة من الصحابة‏.‏

ثم ذكر الذهبي روايته عن جماعة كثيرة جدا وذكر أيضًا من روى عنه أكثر وأمعن ثم ذكر من خفة روحه ودعابته أشياء منها‏:‏ قال وقال عيسى بن يونس‏:‏ خرج الأعمش فإذا بجندي فسخره ليعبر به نهرًا فلما ركبه قال‏:‏ سبحان الذي سخر لنا هذا الآية فلما توسط به الأعمش في الماء قال‏:‏ وقل ربي أنزلني منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين ثم رمى به‏.‏

وقال محمد بن عبيد الطنافسي‏:‏ جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش فسأله عن مسألة خفيفة من الصلاة فالتفت إلينا الأعمش فقال‏:‏ انظروا إليه لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ومسألته مسألة صبيان الكتاب‏.‏

وذكر الذهبي في هذه السنة وفاة جماعة كثيرة قال‏:‏ وتوفي جعفر بن محمد الصادق وسليمان الأعمش وشبل بن عباد مقرىء مكة وزكريا بن أبي زائدة في قول وعمرو بن الحارث الفقيه بمصر وعبد الله بن يزيد بن هرمز وعبد الجليل بن حميد اليحصبي وعمار بن سعد المصري والعوام بن حوشب ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي - يأتي ذكره - قال‏:‏ ومحمد بن عجلان الفقيه المدني ومحمد بن الوليد الزبيدي الفقيه ونعيم بن حكيم المدائني وأبو زرعة يحيى الشيباني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعًا‏.‏

M0لنة الخامسة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة تسع وأربعين ومائة‏.‏

فيها حج بالناس محمد ابن الإمام إبراهيم‏.‏

وفيها ولي إمرة مكة وفيها غزا العباس بن محمد أرض الروم ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الأشعث الذي كان ولي مصر قبل تاريخه فمات ابن الأشعث في الطريق وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته‏.‏

وفيها كمل بناء بغداد‏.‏

وفيها توفي سلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين أبو عبد الله الباهلي الخراساني والد سعيد بن سلم ولي سلم هذا إمرة البصرة ليزيد بن عمر بن هبيرة في أيام مروان الحمار ثم وليها في أيام أبي جعفر المنصور وكان أميرا عاقلا عادلا في الرعية‏.‏

وفيها توفي عيسى بن عمر النحوي الثقفي العالم صاحب الإكمال و الجامع وفيهما يقول الخليل بن أحمد صاحب العربية والعروض‏:‏ الرمل بطل النحو جميعًا كله غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع فهما للناس شمس وقمر وفيها توفي كرز بن وبرة الكوفي كان يسكن جرجان من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة كان زاهدًا عابدًا سأل ربه أن يعطيه الاسم الأعظم على أن يسأل ربه به حاجة من الدنيا فأعطاه فسأل الله أن يقويه على ختم القرآن فكان يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي ثابت بن عمارة بخلف و زكريا بن أبي زائدة في قول وسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي الأمير وعبد الحميد بن يزيد الجذامي وكهمس بن الحسن التميمي والمثنى بن الصباح ومحمد بن الأشعث الخزاعي القائد وأبو جناب الكلبي ومعروف بن سويد الجذامي المصري ويعقوب بن مجاهد في قول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثمانية أصابع ونصف‏.‏

السنة السادسة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة خمسين ومائة‏.‏

فيها خرج أستاذسيس في جموع كثيرة يقال‏:‏ كان في نحو ثلاثمائة ألف مقاتل وغلب على غالب خراسان فخرج لقتالهم الأختم المروروذي بأهل مرو الروذ فاقتتلوا فقتل الأختم في جيشه ثم خرج لقتاله خازم بن خزيمة وتقاتلا أشد قتال وثبت كل من الفريقين حتى نصر الله الإسلام وهزم أستاذسيس وكثر القتل في جيشه فقتل منهم سبعون ألفًا وأسر بضعة عشر ألفًا وهرب أستاذسيس في طائفة من عسكره إلى الجبل‏.‏

وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور جعفر بن سليمان عن إمرة المدينة وولى الحسن بن زيد بن وفيها توفي الإمام الأعظم أبو حنيفة واسمه النعمان بن ثابت بن زوطى الفقيه الكوفي صاحب المذهب ولد سنة ثمانين من الهجرة ورأى أنس بن مالك الصحابي غير مرة بالكوفة لما قدمها أنس قاله ابن سعد‏.‏

وروى عن عطاء بن أبي رباح ونافع وسلمة وخلق كثير وتفقه بحماد وغيره حتى برع في الفقه والرأي وساد أهل زمانه بلا مدافعة في علوم شتى‏.‏

وقال عبد الله بن المبارك‏:‏ أبو حنيفة أفقه الناس‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة‏.‏

وقال يزيد بن هارون‏:‏ ما رأيت أحدًا أورع ولا أعقل من أبي حنيفة‏.‏

وعن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة صلى العشاء والصبح بوضوء واحد أربعين سنة‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وقد روي من وجهين أنه ختم القرآن في ركعة‏.‏

وعن النضر بن محمد قال‏:‏ كان أبو حنيفة جميل الوجه نقي الثوب عطر الرائحة‏.‏

وعن ابن المبارك واسمه عبد الله قال‏:‏ ما رأيت رجلًا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتًا وحلمًا من أبي حنيفة‏.‏

وروى إبراهيم بن سعيد الجوهري عن المثنى أن رجلًا قال‏:‏ جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقًا أن يتصدق بدينار‏.‏

ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة آلاف مرة‏.‏

وروى محمد بن سماعة عن محمد بن الحسن عن القاسم بن معن‏:‏ أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى‏:‏ بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر‏.‏

وقال يزيد بن هارون‏:‏ ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة‏.‏

وعن الحسن بن زياد‏:‏ قال أبو حنيفة‏:‏ إذا ارتشى القاضي فهو معزول وإن لم يعزل‏.‏

وقال إسحاق بن إبراهيم الزهري عن بشر بن الوليد الكندي‏:‏ طلب المنصور أبا حنيفة فأراعه على القضاء وحلف ليلين فأبى وحلف ألا يفعل ذلك فقال الربيع حاجب المنصور‏:‏ ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف‏!‏ قال‏:‏ أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني فأمر به إلى السجن فمات فيه ببغداد‏.‏

وعن مغيث بن بديل قال‏:‏ دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع فقال‏:‏ أترغب عما نحن فيه فقال‏:‏ لا أصلح قال‏:‏ كذبت قال أبو حنيفة‏:‏ فقد حكم أمير المؤمنين على أني لا أصلح فإن كنت كاذبًا فلا أصلح وإن كنت صادقًا فقد أخبرتكم أني لا أصلح فحبسه ووقع لأبي حنيفة بسبب القضاء أمور مع المنصور وهو على امتناعه إلى أن مات‏.‏

وقال أحمد بن الصباح‏:‏ سمعت الشافعي يقول‏:‏ قيل لمالك‏:‏ هل رأيت أبا حنيفة قال‏:‏ نعم رأيت رجلًا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته‏.‏

وقال حبان بن موسى‏:‏ سئل ابن المبارك‏:‏ أمالك أفقه أم أبو حنيفة قال‏:‏ أبو حنيفة‏.‏

وقال الخريبي‏:‏ ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل‏.‏

وقال يحيى القطان‏:‏ لا نكذب الله ما سمعنا بأحسن من أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله‏.‏

وقال علي بن عاصم‏:‏ لو وزن علم أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح عليهم‏.‏

وقال حفص بن غياث‏:‏ كلام أبي حنيفة في الفقه أرق من الشعر لا يعيبه إلا جاهل‏.‏

وقال الحميدي‏:‏ سمعت ابن عيينة يقول‏:‏ شيئان ما ظننتهما يجاوزان قنطرة الكوفة‏:‏ قراءة حمزة وفقه أبي حنيفة وقد بلغا الآفاق‏.‏

وعن الأعمش أنه سئل عن مسألة فقال‏:‏ إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت وأظنه بورك له في علمه‏.‏

وقال جرير‏:‏ قال لي مغيرة‏:‏ جالس أبا حنيفة تتفقه فإن إبراهيم النخعي لو كان حيًا لجالسه‏.‏

وقال محمد بن شجاع سمعت علي بن عاصم يقول‏:‏ لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف الناس لرجح بهم‏.‏

قلت‏:‏ ومناقب أبي حنيفة كثيرة وعلمه غزير وفي شهرته ما يغني عن الإطناب في ذكره ولو أطلقت عنان القلم في كثرة علومه ومناقبه لجمع من ذلك عدة مجلدات وكانت وفاته رضي الله عنه في شهر رجب من هذه السنة ودفن بمقابر بغداد وأقام على ذلك سنين إلى أن بنى عليه شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي مشهدًا في سنة تسع وخمسين وأربعمائة وبنى على القبر قبة ومدرسة كبيرة للحنفية فلما فرغ من عمارة ذلك جمع الفقهاء والعلماء والأعيان ليشاهدوا ما بناه فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم الشريف أبو جعفر مسعود البياضي الشاعر وأنشد‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ ألم تر أن العلم كان مبددًا فجمعه هذا الموسد في اللحد كذلك كانت هذه الأرض ميتة فأنشرها فعل العميد أبي سعد قلت‏:‏ وأحسن من هذا ما قاله عبد الله بن المبارك في مدح أبي حنيفة القصيدة المشهورة التي أولها‏:‏ ‏"‏ الوافر ‏"‏ لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفة وفيها توفي عبد العزيز بن سليمان أبو محمد الراسبي من الطبقة السادسة من تابعي أهل البصرة كان عابدًا زاهدًا كانت رابعة تسميه سيد العابدين كان إذا ذكر القيامة والموت صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الحاضرون من جوانب المسجد وربما وقع الميت والميتان من جوانب المسجد قاله أبو المظفر في ‏"‏ مرآة الزمان ‏"‏‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا ونصف‏.‏

السنة السابعة من ولاية يزيد بن حاتم على مصر وهي سنة إحدى وخمسين ومائة‏.‏

وهي التي عزل فيها‏.‏

وفيها عزل المنصور عمر بن حفص المهلبي عن السند بهشام بن عمرو وفيها ابتدأ الخليفة أبو جعفر المنصور بعمارة الرصافة بالجانب الشرقي وعمل لها سورًا وخندقًا وأجرى إليها الماء كما فعل ببغداد‏.‏

وفيها جدد الخليفة أبو جعفر المنصور البيعة لولده محمد المهدي ثم لابن أخيه من بعده عيسى بن موسى فكان من يبايعه يقبل يده ويد المهدي ثم يمسح على يد عيسى بن موسى ولا يقبلها‏.‏

قلت‏:‏ البلاء والرياء قديمان‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون مولى عبد الله بن عرة من الطبقة الرابعة من أهل البصرة كان عثمانيًا ثقة ورعًا كثير الحديث‏.‏

ولد قبل الطاعون الجارف بثلاث سنين وكان إذا مر بالقدرية لا يسلم عليهم‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة آخرين في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي حنظلة ابن أبي سفيان المكي وداود بن يزيد الأودي وسيف بن سليمان في قول وعبد الله بن عون في رجب وعبد الله بن عامر الأسلمي يقال فيها وعلي بن صالح المكي وعيسى بن أبي عيسى الخياط الخباط الحناط فإنه باشر الصنائع الثلاث‏:‏ الخياطة وبيع الخبط وبيع الحنطة أو موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ومحمد بن إسحاق بن يسار فيها على قول وهو الأصح ومعن بن زائدة الأمير والوليد بن كثير المدني بالكوفة وصالح بن علي الأمير‏.‏

الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعًا‏.‏

ولاية عبد الله بن عبد الرحمن على مصر هو عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ‏"‏ وحديج بضم الحاء المهملة وفي الآخر جيم ‏"‏ التجيبي ‏"‏ بضم التاء المثناة من فوق ‏"‏ الأمير أبو عبد الرحمن أمير مصر‏.‏

وليها من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور بعد عزل يزيد بن حاتم المهلبي عنها على الصلاة في يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومائة ولم يول على الشرطة أحدًا وباشر هو ذلك بنفسه وكان عبد الله هذا قد ولي الشرطة لغير واحد من أمراء مصر‏.‏

ولما استقر في إمرة مصر سكن المعسكر على عادة الأمراء وهو أول من خطب بالسواد بمصر فأقام بمصر مدة ثم خرج منها ووفد على الخليفة أبي جعفر المنصور ببغداد في سنة أربع وخمسين ومائة واستخلف أخاه محمد بن عبد الرحمن على الصلاة ثم رجع إلى مصر في آخر السنة المذكورة ودام بها إلى أن توفي وهو على إمرة مصر في مستهل صفر سنة خمس وخمسين ومائة واستخلف أخاه محمدًا على صلاة مصر فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر بعده فكانت ولاية عبد الله هذا على مصر ثلاث سنين تنقص أيامًا‏.‏

وعبد الله هذا وأبوه من أكابر المصريين من أعوان بني أمية غير أنه استأمن سليمان بن علي العباسي لما استأمنه عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

وسببه أنه لما قتل غالب بني أمية خاف عمرو المذكور فقال‏:‏ اختفيت فكنت لا آتي مكانًا إلا عرفت به فضاقت علي الدنيا فقصدت سليمان بن علي وهو لا يعرفني فقلت له‏:‏ لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قتلتني فاسترحت وإما رددتني سالمًا فسلمت فقال‏:‏ ومن أنت فعرفته نفسي فقال‏:‏ مرحبًا بك ‏"‏ ما ‏"‏ حاجتك فقلت له‏:‏ إن الحرم اللواتي أنت أولى ‏"‏ الناس ‏"‏ بهن وأقربهم إليهن قد خفن تخوفنا ومن خاف خيف عليه‏.‏

قال‏:‏ فبكى سليمان كثيرًا ثم قال‏:‏ بل يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك ثم كتب إلى السفاح‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه قد دفت دافة من بني أمية علينا وإنا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف فالرحم تبل ولا تقتل وترفع ولا توضع فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل وإن فعل فليجعل كتابًا عامًا إلى البلدان - شكر الله تعالى على نعمه - فأجابه إلى ما سأل‏.‏

وكان هذا أول أمان لبني أمية ودخل فيه صاحب الترجمة وغيره‏.‏

السنة الأولى من ولاية عبد الله وهي سنة اثنتين وخمسين ومائة‏.‏

فيها حج بالناس الخليفة أبو جعفر المنصور‏.‏

وفيها وثب الخوارج ببست على عاملها معن بن زائدة الشيباني فقتلوه لجوره وعسفه‏.‏

وفيها غزا حميد بن قحطبة كابل و ولاه المنصور إقليم خراسان‏.‏

وفيها ولي البصرة يزيد بن المنصور‏.‏

وفيها توفي معن بن زائدة بن عبد الله بن زائدة بن مطر بن شريك الشيباني الأمير أبو الوليد وقيل أبو يزيد‏.‏

كان أحد الأجواد وكان شجاعًا مقدامًا ممدحًا‏.‏

وحكاياته في الجود والكرم مشهورة‏.‏

وكان أولًا مع ابن هبيرة ثم اختفى حتى كانت وقعة الراوندية مع المنصور المقدم ذكرها فلما كانت الوقعة خرج معن وقاتل بين يدي المنصور قتالًا عظيمًا فولاه المنصور اليمن ثم سجستان وقيل‏:‏ إن معنًا دخل مرة على الخليفة أبي جعفر المنصور‏:‏ فقال له المنصور‏:‏ هيه يا معن تعطي مروان ابن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ ًمعن بن زائدة الذي زيدت به شرفًا على شرف بنو شيبان فقال‏:‏ كلا يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على قوله في هذه القصيدة‏:‏ مازلت يوم الهاشمية معلنًا بالسيف عون خليفة الرحمن فقال‏:‏ أحسنت يا معن ما أكثر وقوع الناس في قومك‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا ودخل عليه يومًا وقد أسن فقال‏:‏ كبرت يا معن فقال‏:‏ في طاعتك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ وإنك لجلد قال‏:‏ على أعدائك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ وفيك بقية قال‏:‏ هي لك يا أمير المؤمنين‏.‏

وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن بن يزيد زاهد أهل البصرة فقال‏:‏ ويح هذا‏!‏ ما ترك لربه شيئًا‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في هذه السنة قال‏:‏ ‏"‏ مات إبراهيم بن أبي عبلة وأبو خلدة خالد بن دينار البصري ‏"‏ وتوفي أبو عامر صالح بن رستم الخزاز وعبد الله بن أبي يحيى الأسلمي وعمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي وطلحة بن عمرو المكي وعباد بن منصور الناجي ‏"‏ وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن ‏"‏ ويونس بن يزيد الأيلي في قول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وإصبع واحد ونصف إصبع‏.‏

السنة الثانية من ولاية عبد الله وهي سنة ثلاث وخمسين ومائة‏.‏

فيها قتل متولي إفريقية عمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة الأزدي خرجت عليه أمم من البربر وعليهم أبو حاتم الأباضي وأبو عاد فيقال‏:‏ إنهم كانوا في خمسة وثمانين ألف فارس ومائتي ألف راجل وكانوا بايعوا أبا قرة الصفري بالخلافة‏.‏

وفيها ألزم الخليفة أبو جعفر المنصور رعيته بلبس القلانس الطوال المعروفة بالمدينة وكانوا يعملونها بالقصب والورق ويلبسونها السواد وفيها يقول أبو دلامة‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ وكنا نرجي من إمام زيادة فزاد الإمام المصطفى في القلانس تراها على هام الرجال كأنها دنان يهود جئت بالبرانس وفيها غزا مسعود بن عبد الله الجحدري الصائفة وفتح حصنًا بالروم عنوة‏.‏

وفيها ولي بكار بن مسلم أرمينية‏.‏

وفيها أغارت الحبشة على جدة فجهز إليهم الخليفة أبو جعفر المنصور المراكب‏.‏

وفيها سخط المنصور على وزيره أبي أيوب المورياني واستأصله وحبس معه أولاد أخيه سعيدًا ومسعودًا ومحمدًا ومخلدًا وقتل في السنة الآتية‏.‏

وكان الذي سعى بأبي أيوب هذا هو كاتبه أبان بن صدقة‏.‏

وفيها توفي شقيق بن ابراهيم الزاهد أبو علي البلخي الأزدي كان من كبار مشايخ خراسان وله لسان في التوكل وهو أول من تكلم في التصوف وعلوم الأحوال بكورة خراسان وهو أستاذ حاتم الأصم وكان لشقيق دنيا واسعة خرج عنها وتزهد وصحب إبراهيم بن أدهم‏.‏

وفيها توفي وهيب بن الورد مولى بني مخزوم من الطبقة الثالثة من أهل مكة وكان اسمه عبد الوهاب فصغر وهيبًا وكانت له أحاديث ومواعظ‏.‏

روى عنه عبد الله بن المبارك وغيره وكنيته أبو عثمان وقيل أبو أمية وكان زاهدًا ينظر في دقائق الورع‏.‏

قال بشر الحافي‏:‏ أربعة رفعهم الله بطيب المطعم‏:‏ وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط وسلم الخواص‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرة أصابع‏.‏